la culture de l enfant

la culture de l enfant
la culture de l enfant :

 

ثقافة الطفل ليست هي التعليم

 بشير خلف


إن الطفولة مرحلة نموٍّ يتصف بها الأطفال بخصائص ثقافية، وعادات، وتقاليد تشرّبوها من مجتمعهم، وكذلك ميول وأوجه نشاط، وأنماط سلوكية أخرى تميّزهم عن الكبار. إن طفل اليوم إنسان له جميع حقوقه التي أقرّها ديننا الإسلامي بالدرجة الأولى، ومواثيق الأمم المتحدة بالدرجة الثانية. ومن حقّ الطفل إكسابه "هوية" مستمدّة من ثقافته. فالنبي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم أول مَنْ أشار إلى دور الأهل والمجتمع في إكساب الطفل هذه "الهوية" حيث قال: ((كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يُهوّدانه أو يُمجـّسانه.))

إن الأطفال في أيّ مجتمع لا يشكّلون جمهورا متجانسا، فهم يختلفون أولا باختلاف أطوار نموّهم.. لذا قُسّمت مراحل الطفولة وكما سبق إلى أطوارٍ متعاقبة، لكلّ منها ثقافةٌ خاصةٌ تتوافق مع خصائص وحاجات الطفل في كل مرحلة. كما أن ثقافة الأطفال تختلف في مجتمع ما عنها في مجتمع لآخر تبعا لإطار الثقافة العامة السائدة والموجّهة للأفراد والجماعات، وما يرتبط بذلك من وسائل التواصل والاتصال الثقافي بالأطفال. كما يسهل على الباحث التعرّف في ثقافة الأطفال على الملامح الكبيرة لثقافة المجتمع، فإنْ كان المجتمع يُولي أهمية كبيرة لقيمة ما من القيم، فإنها عادة تظهر في ثقافة الطفل وسلوكه.

إن الثقافة مهما كانت وسيلتها، ومهما تنوّعت أدواتها تبقى نتاجا اجتماعيا. والثقافة التي تُقدّم للطفل مسؤولية مجتمعية، إلاّ أن الدراسات والأبحاث التي تتناول ثقافة الطفل ما زالت شحيحة في العالم العربي ومنعدمة عندنا في الجزائر. لم تصدر لحدّ الآن أعمالٌ مطبوعة ببلادنا تتناول هذا الجانب بصورة علمية منهجية، تستند إلى إحصاءات دقيقة، رصدت واقع ثقافة الطفل من منظار تحليلي نقْدي. وقد لا نعدم وجود أبحاث ودراسات في الجامعات قام بها طلبة في مجال تحضير رسائلهم وأطروحاتهم الجامعية، إنما في رأينا طالما لم تُنشر، ولم تتوفر بين يدي القارئ العادي فهي غير موجودة. بكلّ أسفٍ لا يزال الكتاب والباحثون يهتمّون بثقافة الكبار على اختلاف وسائلها ومضامينها، متناسين ومتجاهلين في آنٍ واحدٍ ما لتوجيه الأطفال وحُسْن تنشئتهم، وحُسْن رعايتهم فكريا من أهمية وفعالية.

بناء الإنسان ثقافيا يبدأ منذ الطفولة

إن عملية التثقيف عملية مستمرّة لا تتوقّف عند سنٍّ معيّنة، إلاّ أنّ اللّبنة الأولى في بناء الإنسان ثقافيا تبدأ منذ الطفولة، وما يُعْطى في هذه المرحلة من مراحل النموّ يعتبر أكثر أهمّية من غيره، فالطفولة تُسْهم إسهاما هامّا، ورئيسًا، وحاسما في بناء الشخصية من شتّى النواحي الاجتماعية، والنفسية، والعقلية، وبالطبع الثقافية.

أسئلة تفرض نفسها ونحن نتكلّم عن بناء الشخصية لدى الطفل:

ـ كيف ينظر المجتمع العربي بما في ذلك المجتمع الجزائري إلى أطفاله من خلال إنتاجه لثقافتهم؟

ـ هل ينظر إليهم على أنهم أطفالٌ لهم عالَمٌ مختلفٌ؟ أم على أنهم نماذج مصغّرةٌ أو صُورٌ مصغّرةٌ عن الكبار؟ أم أدْنى من ذلك؟

ـ هل يرى مجتمعنا حين يُـنـتج ـ ذلك النزر اليسير ـ من ثقافة الأطفال، أنّ لهؤلاء الحرية والحقّ في أن يشبّوا، ويكبروا بمرونة مع احترام براءتهم.. ثقافة تتيح لهم أن لا يكونوا نموذجا طِبْق الأصل عن الكبار، أي أن يكونوا شخصيات مختلفة.

تنعدم الدراسات التتبعية الإحصائية التحليلية ببلادنا للطفولة وقضاياها ومشاكلها، وحاجاتها، حتّى ما يُسمّى " بجمعيات الطفولة " وما أكثرها ببلادنا، أغلبها يتخذ الجمعية مأْربا، ولا يقدم شيئا للطفولة وإذا قدّمها تكون للتمظهر والتموقع ليس إلاّ.. جمعيات مناسباتية، تستجدي الإعانات التي تُصْرف لغير صالح الطفولة. وحسْب علمي فالهيئة الرسمية الوحيدة التي تقدّم بين الحين والآخر دراسات قيّمة عن عالم الطفولة ومشاكله، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية هو " المجلس الاقتصادي والاجتماعي ".

عندنا الطفل وعاءٌ فحسب

الطفل في بلادنا لا يُعْطى أهمّية حتّى فيما يهمّه.. البرامج التعليمية التي من خلالها يُعـِدُ المجتمع أبناءه ويكوّن شخصياتهم، يُعدّها الكبار عندنا بعد أن يكونوا زاروا عدّة بلدان غربية وبخاصة فرنسا، بلجيكا، كندا، واستقوْا منها طُرق المناهج، والطرائق وأساليب التبليغ.. وحتّى إذا قبلْنا بهذا اعتبارا لِما تقتضيه ظروف المعاصرة والتحاكك الحضاري، ونجاعة التثاقف والمثاقفة، فإن غير المقبول أن تُطبّق تلكم المناهج والطرائق دون تجربة قبْلية على عيّنات من الأطفال في مناطق مختلفة من الوطن.. التجارب القبْلية منعدمة وانعدمت في الإصلاح التربوي الحالي، لا في كيْفيته المغايرة لِما كان مألوفا ومطبّقا في مناهج وطرائق المدرسة الأساسية، ولا في إدخال اللغة الفرنسية في السنة الثانية الابتدائية كلغة أجنبية شُرع في تطبيقها في كلّ مناطق الوطن بمنهاج موحّد وبكتاب موحّد دون مراعاة خصوصيات المناطق، ودون مراعاة استعمال هذه اللغة في الوسط الذي يحيا فيه الطفل، أو عدم استعمالها البتّة في هذا الوسط. موضوع الكتاب لا يسمح بالتحدّث عن أفضلية لغة أجنبية ما، أو التحدث عن السنّ المناسبة للطفل لبداية تعلّم اللغة الثانية، أو تأخير ذلك إلى سنّ معيّنة..

الفرد لا يُنتج ذاته بدْءا

الفرد في أيّ مجتمعٍ لا يُنتج ذاته، ولا ينتج وعْيه بذاته.. إنه يتلقّاه من مجتمعه. والمواطن في مجتمعنا ليس مسؤولاً عن قصوره بالنسبة لذلك الإنسان المتطوّر في مجتمعاتٍ أخرى مسؤولية مباشرة. فهل أوْلاه المجتمع من العناية والرعاية حين كان طفلاً مثلما يُوليه المجتمع الآخر المتطوّر لطفله؟

ذمن المفترض وهذا من الأساسيات في تنشئة الأطفال أن يبذل المجتمع جهودا صادقة ومُمنهَجَة، ودائمة في التعرّف على الطفل بخصائصه، وتمايزاته، وعلاقاته بالمجتمع، ودوْر المجتمع في إعداده، وإنمائه جسديا وعقليا وثقافيا… وكيف يُؤمّن له هذا الإعداد واحتياجات النموّ. فهل يتمّ ذلك بشكلٍ منظّمٍ؟ أو بشكلٍ غير منظّمٍ؟ وما هي المؤسّسات التي يقع عليها عبْء القيام بهذه المهمّات؟ [1] (1)

في مجتمعات أخرى ومنها قلّة عربية، توجد مؤست أخرى تتكفّل بتدعيم تنشئة الطفل وتربيته وتثقيفه كالمجلس الأعلى للطفولة، المجلس الأعلى لثقافة الطفل…

هل لِثقافةِ الطفل خصائصُ؟

وللأطفال في كل مجتنع مفرداتٌ لغويةٌ خاصة بعالمهم، ورصيدٌ لغوي يتصلون به مع الغير، وكذا قيمٌ ومعاييرُ وطرقٌ خاصة في اللعب والترفيه، وأساليب خاصة في التعبير عن أنفسهم، ومع غيرهم، وفي إشْباع حاجاتهم، فضلا عن المواقف، والاتجاهات، والانفعالات، والقدرات الخاصة… إضافةً إلى ما لهم من نتاجات فنية ومادية وأزياء، وأشياء محبّبة إليهم وما إلى ذلك… أي من هذا وذاك كلّه، لهم خصائص ثقافية ينفردون بها، ولهم أسلوبٌ حياة خاصٌّ بهم، وهذا يعني أن لهم ثقافة مميّزة، هي ثقافة الأطفال. [2] (2)

كما أن للكبار وللمراهقين ثقافة خاصة في أساليبهم الخاصة في السلوك والملبس وطرق الاتصال والتواصل والقيم والمعايير والاتجاهات والآمال وغيرها.

الثقافة.. بين المضمون والحاجة

إن الحديث عن ثقافة الطفل وأهميتها ليس حديثا من باب الترف الفكري، وإنما هو حديث عن ضرورة من ضروريات الحياة.. وفي هذا الإطار لا بدّ من التطرّق إلى مفهوم الثقافة في المجتمع قبل تعريف ثقافة الطفل. فالثقافة هي أسلوب الحياة السائد في أي مجتمع، حيث تشمل قيمَه الروحية والفكرية، وعاداته، وتقاليده، واتجاهاته، وقيمه، وأدواته، وأزياءه، ومنجزاته الفكرية والفنية، وكلَّ ما يتميّز به أسلوب الحياة السائد في هذا المجتمع أو ذاك من النواحي المادية والمعنوية.

ثقافة أي مجتمع هي قيمه السلوكية والذوقية والخلقية وغيرها التي يستمدّها من عقيدته الدينية ومن إبداعات الصفوة من أفراده في مجال الفكر والعلم والأدب والفن، وممّا يستمدّه أيضا ممّـا أنتجته العبقريات الأخرى لخير الإنسانية.

وقد تعدّدت تعاريف الثقافة إلى درجة صعُب فيها المسْك بتعريف يمكن الركون إليه، إلاّ أنّ هناك تعريفا بالكاد وقع عليه إجْماعٌ. صدر هذا التعريف عن المؤتمر العالمي بشان السياسات الثقافية المنعقد بمدينة ـ مكسيكو ـ بالمكسيك ما بين تاريخ 06 جويلية و 06 أوت 1982 تحت إشراف منظمة اليونيسكو، جاء ما نصّه: ((إن الثقافة بمعناها الواسع، يمكن أن يُنْظر إليها اليوم على أنها جُماعُ السّمات الروحية، والمادية، والفكرية، والعاطفية التي تميّز مجتمعا بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها. وهي تشمل الفنون، والآداب، وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.. وإن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، والتي تجعل منّا كائنات تتميّز بالإنسانية المتمثّلة في العقلانية، والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها ـ الثقافة ـ نهتدي إلى القيم ونمارس الخيار. وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه، والتعرّف على ذاته كمشروعٍ غير مكتملٍ، وإلى إعادة النظر في إنجازاته، والبحث دون توازنٍ عن مدلولاتٍ جديدةٍ، وإبداع أعمالٍ يتفوّق فيها على نفسه.))

والثقافة من خلال التعريف السابق هي الطابع العام الذي يميّز شخصية أية مجموعة من السكان القاطنين في رقعة جغرافية معيّنة، ويرسم السّمات النفسية للفرد أو الجماعة، والتواصل المعنوي والفكري بين الأفراد القاطنين داخل الوطن الواحد، المعبَّر عنهم بالمواطنين. وأساليب تفاعلهم مع البيئة وطرق استغلال ما في هذه البيئة لصالحهم.

لماذا ينفرد الطفل بثقافة خاصّة؟

ثقافة الطفل هي مجموعة العلوم والفنون والآداب والمهارات، والقيم السلوكية، والعقائدية التي يستطيع الطفل استيعابها وتمثُّلها في كل مرحلة من مراحل عمره، ويتمكّن بواسطتها من توجيه سلوكه داخل المجتمع توجيها سليما.

ويقوم بنقل هذه المعارف والقيم صفوةٌ مبدعةٌ من المجتمع، مسترشدين بالمبادئ الروحية والدينية، والإنجازات الفكرية والفنية للمجتمع، مستعينين أيضا بالعلم فيما يتعلق بخصائص الطفولة ومراحل نموّها واحتياجاتها.

إذن ثقافة الطفل هي إحدى الثقافات الفرعية في أي مجتمع، وهي تنفرد بمجموعة من الخصائص والسّـمات العامة… ثم إن الأطفال لا يشكّلون مجتمعا متجانسا، بل يختلفون اختلاف أطوار نموّهم هذا في المجتمع الواحد، فما بالك إذا اختلفت المجتمعات وتباينت البيئات، لذا قُسّـمت الطفولة إلى مراحل متعاقبة ومتداخلة في بعضها البعض وكل مرحلة تؤثر في الأخرى أيّما تأثير سلبا أو إيجابا.. لكل منها ثقافة خاصّة تتوافق مع خصائص وحاجات الطفل في تلك المرحلة الطفولية.

كما أن ثقافة الطفل تختلف في مجتمع ما عنها في مجتمع آخر تبعا لإطار الثقافة العامة، وما يرتبط بذلك من وسائل الاتصال الثقافي بالأطفال. كما يسهل التعرّف في ثقافة الطفل على الملامح الكبيرة لثقافة المجتمع، فإذا كان المجتمع يُولي أهمية كبيرة واعتبارا لقيمة معيّنة من القيم أو اتجاه محدّد من الاتجاهات، فإن ذلك يظهر عادة في ثقافة الطفل.

وسائل الاتصال المعاصرة أداة التشكيل

تستغل وسائل الاتصال المتطورة في الدول المتقدمة خصوبةَ عالم الطفولة، واستعداد الأطفال لتقبّل كثير مما يتميّز بالإثارة والجاذبية، فيُـمطرُ الأطفال في البلدان المتخلفة بفيض من العناصر الثقافية التي لا يتوافق الكثير منها مع سياق عالم الطفل، ولا تنسجم مع قيم مجتمعات هذه البلدان. ويُراد البعضُ من هذا الفيض الاتّصالاتي زعزعةَ خصوصيات الثقافات المحلية ومنها ثقافة الطفل، باعتباره عمدة المستقبل.

لكن تلكم المعارف وتسارعها كمّا وكيفا، وتدفّقها في أيامنا هذه، وهي في تسارع أكثر بتوالي الأيام عبْر العديد من الوسائط، صار من العسير على أي مجتمع بما في ذلك الخلية الأساسية في المجتمع ونعني بها الأسرة.. القدرةَ على الحراسة والتحكّم في دقة انتقاء وسائل ثقافة الطفل.

ثقافة الطفل ومنجزات العصر

أَثّــرَ في ثقافة الطفل خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحالي عددٌ من المتغيرات والتحدّيات، من بينها وخاصة في مجال التنشئة الأسري والمدرسي ولو في نطاق ضيّق ولكنه آخذٌ في الاتساع.. ثقافةُ الحوار والسّـماع والاستماع، والمشاركة، والإبداع، بدلا من أساليب الحفظ وحشْـو العقول بالمعلومات، والتلقين، والتسلط، واعتماد التعليم بدلا من التعلّم. وإعادة صياغة الثقافات الموروثة بما يتماشى ومنجزات العصر، مع اتضاح الدور الرئيسي للحواس في تنمية قدرات الأطفال خاصة الصغار منهم بدلا من الاعتماد على الكلمة الشفاهية وحدها، ومنافسة البرامج التلفزية العديدة، والكمبيوتر، والإنترنيت في العديد من الدول العربية، وفي نطاق لا يزال محدودا ببلادنا.. تحدّياتٌ للكتاب المدرسي، ومكوّنات أدب الطفل عموما، لما تتضمّنه هذه الوسائل العصرية من تفاعل بين الشاشة والطفل.





Commentaires

  • Aucun commentaire